كأن الله اراد لرفيق الحريري ان تستمر ذكراه ليس فقط في قلوب محبيه بل شاء ان يعيد صورته لتبقى ماثلة امامنا، فخلق له من ذريته شاباً تزود بجميع صفاته وملامحه ((خلقاً وخُلقاً))، فجاء سعد الإبن البار نسخة طبق الأصل.
لا ينقل عارفو سعد الحريري عنه ان تصرفاً قام به يوماً وشى بجنوحه الى العمل السياسي، ففي ظل والده كان في السياسة قريباً على بعد، او بعيداً على قرب، انخرط في حياة الاعمال وزاد فيها ومنها قرباً على قرب، وأضفى عليه تكريس اغلب وقته للأعمال في المملكة العربية السعودية اناةً وجلداً يتقنهما اهل الجزيرة، وهو ما كان ميّـز الوالد وانعكس على الخلق، صبر وأناة الى هدوء اعصاب ومُجالدة، لم تحرمه، تماماً كما السلف، من النكتة ولمسة الظرف واللهفة على المحتاج والعطف على مهيض الجناح.
لم يفكر سعد الحريري ان يوماً ما سيكتب في الصحف عن طفولته ومراهقته وشبابه، وها نحن نفعل اليوم لنتجاوز الجراح، جراح استشهاد رجل على عتبات الاستقلال ونبقيه في ذاكرتنا الابدية ولنعلن ولادة سياسية طبيعية ونمنحها الحياة ونسجلها في صفحات تاريخنا الجديد.
طفولته
عاش الطفل سعد الحريري طفولة في كنف الجد بهاء الدين والجدة هند في مدينة صيدا، بينما كان الوالد يتابع اعماله في السعودية، وهناك درس في مدارسها الابتدائية قبل الانتقال الى فرنسا مع شقيقه الاكبر بهاء والأصغر حسام حيث تابعوا دراستهم في ((Institution Palessy Juin-Ville le Pont)).
لم يكن سعد يرغب كثيراً في تلك المدرسة بل كان يفضل البقاء مع الجد والجدة لما كان يلاقيه من اهتمام ورعاية مع شقيقه، الا ان اصرار الوالد على تلقي اولاده العلم في افضل المدارس جعل الثلاثة يخضعون لمشيئته، وكثيراً ما كانوا يفرحون بقضاء العطلة الصيفية مع الجد والجدة في حضرة الوالدة في السعودية، حيث كان يلتقي الاولاد بالسيدة نازك وقد نشأت علاقة مميزة بينها وبين سعد الطفل الدبلوماسي الذي شعر مع الـ ((Tant)) بحضن الأم الدافىء ولم تبخل عليه هي بمشاعر الأمومة.
وعن سعد الطفل يقول ((عمو فريد)) كما كان يناديه سعد وأشقائه (النائب فريد مكاري): ((كان طفلاً مرتاحاً على حاله ووضعه)) عرفته عندما كان بعمر الاربع سنوات وفي العام 1978 واثناء بناء مجمع كفرفالوس كنت اتردد كثيراً الى صيدا بحيث كنت اقضي يومين او ثلاثة في الاسبوع اتابع عملية بناء المجمع، وكنت امضي هذه الايام في شقة رفيق الحريري القريبة من بيت الحاج والحاجة، وفي الليل كان بهاء وسعد وحسام ينامون قربي على السرير وكانت افضل لعبة لديهم قبل النوم وخصوصاً لسعد رمي بعضنا بالوسادات والـ..
((سعد طفل دبلوماسي الى اقصى الحدود، اذا اراد شيئاً كان له دون ان يطلبه، لا نذكر ان احداً زعل من سعد حتى الجد الذي كان كثير المشاجرة مع بهاء بسبب الحاحه الدائم لتحقيق مطالبه وكذلك الجدة كانا راضيين دائماً عن تصرفات سعد، اما حسام فكان رحمه الله صاحب شخصية مستقلة بذاتها يحقق ما يريده لنفسه بنفسه.
كان سعد في طفولته ولداً مكتنـزاً على عكس شقيقيه، الامر الذي كان يقربه الى قلوب العائلة وحتى الناظرين اليه من بعيد، طفل وسيم وعقل سليم. شاطر في المدرسة.
المراهق
هذا ما عرفه ((عمو فريد)) بسعد الطفل، أما عن مراهقته فيؤكد انه عاش هذه الفترة باعتدال ومن دون تهور، ادرك نعمة الله عليه فعاش حياة الرفاهية من دون ادعاء، كريم كوالده يعطي من دون حساب.
اما عندما انتقل الى جامعة ((جورج تاون)) في واشنطن ليتابع دروسه الجامعية حيث نال اجازة في ادارة الاعمال يقول النائب فريد مكاري: ((هذا الشاب كان يحرص على بناء صداقات جيدة مع اصدقاء والده وما زال حتى الآن، وأذكر عندما كنت اذهب الى اميركا، اتصل به فور وصولي فأقول له ((سعود وين بدنا نلتقي فيجيب على الفور Same Place, Same Time ((المكان نفسه والوقت نفسه))، أي في ((الفورسيزن)) الساعة الواحدة والنصف من يوم السبت، وما زال سعد حتى الآن وخلال زيارته الى لبنان او أي مكان آخر لوالده فيه اصدقاء يتصل بهم ويتابع اخبارهم ويطمئن على صحتهم ثم يعود ليتصل بوالده ويطلعه على اخبار اصدقائه.
اما عن سعد الشاب – الرجل فيقول مكاري لقد شعرت اخيراً وخلال ذهابي مع بهاء وسعد الى المملكة العربية السعودية لاستلام جائزة الملك فيصل، شعرت بفخر واعتزاز بهذا الشاب الذي استطاع ان يحوز على ثقة العائلة المالكة اذ كان حضر الاحتفال معظم امراء المملكة العربية ولم اكن اسمع من هنا وهناك الا ((هلا سعد، هلا سعد حياك الله سعد)) والمحبة بادية على وجوه الجميع.
يتذكر النائب مكاري ذات يوم انه وبينما كان يجلس مع الرئيس الشهيد في غرفة نومه على الارض وكان يقلب الرئيس بالريموت كونترول، وهذه عادة كانت تلازمه دائماً اتصل سعد بالهاتف ليخبر والده بأنه قرر الزواج من لارا العضم، فضحك الرئيس كثراً في تلك اللحظة ولم يعرف سعد اذا ضحك له او ضحك عليه لأنه يرغب الزواج في سن مبكر واجابه ((خذ عمك فريد وأخبره بماذا تريد؟ فعندما قال له الاخير ((سعود)) وهو اللقب المفضل لديه ((ابو السعود)) ((شو بدك بها لقصة بعد بكير عليك))، اجاب ابو سعود ((ما تخاف عليّ انا قدها)).
ويؤكد مكاري ((لم يفكر سعد بالعمل السياسي في حياة والده، ولم يفكر الرئيس ايضاً يوماً بدخول احد ابنائه الحياة السياسية علماً أن لسعد علاقات مع رؤساء وزعماء دول كثيرة وهي على افضل حال.
رجل الاعمال
بعد تخرجه من جامعة جورج تاون عمل في ((سعودي اوجيه)) الا ان كفاءته العالية جعلت منه في العام 1996 مديراً عاماً للشركة التي تضم 35 الف موظف وهي مخصصة لمشاريع البناء في المملكة العربية السعودية وبعض بلدان الشرق الاوسط كما لها فروع في اوروبا والولايات المتحدة، ومن هذه الفروع ((سعودي اوجيه، اوجيه فرانس، اوجيه ماروك ((المغرب))، وأوجيه ((يو اس أي)) كما يدير اسطول الطائرات العائد لعائلة الحريري ويتابع اعمال جميع الاستثمارات العائدة للامبراطورية الحريرية.
لم يتوقف رجل الاعمال سعد الحريري عند الشركات التي استلمها من والده المرحوم بعد ان دخل الوالد معترك الحياة السياسية، بل عمد سعد الى تكبير الامبراطورية من خلال توسيع حجم المقاولات والتنوع في الاعمال اذ تعددت المشاريع واختلفت وتوسعت من مشاريع خاصة بالعائلة المالكة الى المشاريع العامة ذات التكاليف المخفضة، ما خلق آفاقاً جديدة من العمل منها الدخول بحقل الاتصالات عبر شركة ((اوجيه تلكوم)) التي تعد الآن من اكبر شركات الاتصال في جنوب افريقيا، كما يشغل سعد الحريري منصب عضو في مجلس ادارة شركات اوجيه الدولية ومؤسسة الاعمال الدولية وبنك الاستثمار السعودي، ومجموعة الايمان والتسويق السعودية.
ومن آخر المشاريع التي نفذها مقر مجلس الشورى السعودي ويعد من المشاريع الضخمة التي نجح سعد الحريري في تنفيذها، وما زاد في نجاحه ايمانه بالعمل الجماعي حيث يرى لكل فرد في هذه الحياة دوراً يقوم به.
يملك سعد موهبة متميزة في بناء العلاقات العامة يساعده على ذلك دبلوماسيته الرفيعة وطبعه الهادىء وحسن التعاطي مع الآخرين بالاضافة الى حزمه الشديد في اتخاذ المواقف الصلبة التي لا يتردد باتخاذها، قادر على ازالة الحواجز بينه وبين أي شخص كان ومهما كان موقعه، سريع البديهة، يتمتع برصانة والده وعقله العملاني، كما اكتسب منه قلة النوم التي عرف بها الرئيس الشهيد الذي كان يطلب من موظف السنترال ايقاظه في تمام السادسة من كل يوم، فإذا بالرئيس يلقي تحية الصباح على الموظف كل يوم في الساعة السادسة الا ربعاً وكذلك سعد الذي يكتفي بالنوم 4 ساعات خلال اليوم انطلاقاً من قول قصيدة عمر الخيام ((فما اطال النوم عمراً ولا قصر في الاعمال طول السهر)).
مــــــنــــــــقـــــول